لا أفتأ أجزم أن الإنسان مهما ضربت جذور طباعه في واقع حياته، وظل تشبثه بعاداته القائمة على مدار سنين من عمره، كلما كانت فرصة التغيير معه أكثر جرأة ورغبة، ذلك لما يعتري سجايا النفوس من تطلعات التغير لحال أحسن من حال مهما كانت قناعاتهم مرضية بحالهم التي استكانوا عليها، فيظل هدف التغيير شاخصاً أمام أعينهم، يخطف وميض أبصارهم، يحاول بعضهم أن ينتبذ إلى مكانه القصي، ويتدثر بشعاره. ويُضرم التغيير في حياة المرء بوتيرة تتراقص مع شغاف
قلبه لها، فتسيطر على لب تفكيره، ويبدأ من نفسه خوض غمار التغيير، واقتحام سياجها المحموم، ويحلو له - حينها - أن يحطم قيود جمود عاش على دهمائها سنين طويلة، وصنف آخر لم يأذن لهم الحال أن يفت التغيير في عضد جمودهم، فكان لهم أن ينتظروا من يطرق باب التغيير عليهم، ويمدّ لهم طوقاً ينتشلهم من بحار عصفت بأحوالهم، بعدما مكثوا وحدهم، وتاهوا في ردهات التقوقع، قد استغرقوا في حالتهم تلك بيأس، ورضا بسذاجة، يغرقون ويدافعون في حياتهم لعلهم يبقون، فما
أن يجد أحدهم يداً حانية تربت على كتفه، وتهمس بحنان على أذنه، وترشده لعالمه الذي يحفل به، ويجد لنفسه فيه فسحة وأفقاً من المشاركة والتحرر، وإلاّ تبدّت على قسمات وجهه تباشير الرضا والحبور، فقد كان في قمقم حقير، تخيله للحظة أنه أنيق فسيح، ارتضاه موطناً يجوب فيه سماء حياته، أما وقد حطمها بقبضة صارخة، شقت سكون ظلام خيم على حياته، أضحى معه شروق بديع، أزهر به ربيع حياته.
هي حقيقة ماثلة ومشكلة حاضرة؛ إذ نبصر من بيننا من ارتضى له موضعاً لا ينفك عنه، ولا تنقدح في سريرته النهوض عن حاله التي ارتضاها. والذي يكدر القلب أن أولئك الكسالى قد أوهنوا عزائم أناس يعيشون حولهم، وثبّطوا طاقاتٍ كان بالوسع أن يثمر معها تقدماً أكيداً، فإما ألقوا عليهم صخرة الرضا بحالهم، والقناعة بوضعهم، وإما اكتفوا بأن يقدموا أنفسهم نماذج مخيبة للآمال، أضحت بها نتائج لا نأمل سماعها فضلاً عن معاينتها ورؤيتها، إلاّ أن من بينهم من تحرّروا من قيودهم البائسة، وانطلقوا بأمل وطموح ورجاء، يحملون في معيتهم شعاراً هو "التغيير لا محالة"، وفي الواقع ضروب من النماذج الباهرة
المشرقة، تكاد أسماؤها أن تكون شمساً في رابعة النهار، وبإبصار يسير لسيرتهم الأولى، نجدهم قد أحالوا المحال إلى حال ظاهر للعيان، فينكشف لمن عنّ في نفسه التغيير أنه أمر متواجد، وإنما يحتاج لعزيمة قائمة، ورغبة عارمة، وجلد في تحطيم قيود تكبح جماح التغيير في نواصي نفسك، وتخطيط متقن لرسم حياتك المستقبلية التي تحلم أن تبنيها بقواعد التغيير.
بين أيدينا صغار من إخوة وأبناء، فهل كنا في يوم يدَ عوْن في مزيد تقدّم وتبدّل حال لأفضل في حياتهم..؟!
لنا أصدقاء أعزاء وأحباب أوفياء فهل تهامسنا معهم ساعة عن حياة رتيبة لأحدهم عساه بومض حروفنا ألاّ يجد مناصاً من التغيير إلاّ إليه..؟! وقبل أولئك كلهم، أتأملت لحظة في حياتك ... فوجدتها أسيرة اعتياد لا تفارقه، تنصرم السنون وأنت على حالك باقٍ، يومك هذا كسني مضت، لم تسعفها بجديد..؟!
هب نفسك طائراً مكبلاً بقيود اعتيادك وتكاسلك ورقودك، سترى حياتك تترى، ونشاطك يتبالى، وحماسك يتوارى.. أيقظ عزائمك، وتململ من محابسك، واصنع نفسك، وابدأ حياتك الجديدة، فما سكن على حالهم إلاّ الأموات .